الأدب في مواجهة القيود.. سالي روني كاتبة أيرلندية تدفع ثمن التضامن مع فلسطين
الأدب في مواجهة القيود.. سالي روني كاتبة أيرلندية تدفع ثمن التضامن مع فلسطين
غابت الكاتبة الأيرلندية سالي روني، إحدى أبرز الأصوات الأدبية في جيلها، عن حفل توزيع جائزة سكاي آرتس للأدب هذا الأسبوع، بعدما تلقت تحذيرات من احتمال اعتقالها إذا دخلت المملكة المتحدة بسبب دعمها العلني لمنظمة "Palestine Action" التي صنفتها الحكومة البريطانية منظمة إرهابية في يوليو الماضي.
الجائزة التي حصلت عليها روني عن روايتها الرابعة "Intermezzo" تحولت بذلك إلى قضية تتجاوز حدود الأدب لتفتح سجالاً حول حرية التعبير والنشاط السياسي في المملكة المتحدة وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
خلفية قانونية صارمة
وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2000 في المملكة المتحدة، فإن التعبير عن الدعم أو توفير أي شكل من أشكال المساندة المادية أو المعنوية لمنظمات مدرجة على قائمة الإرهاب قد يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية، وأوضح المحامي والكاتب صدقات قدري أن مجرد إعلان الدعم قد يندرج تحت هذا الإطار إذا اعتبر "تأييداً علنياً" لكيان محظور، ما يضع روني أمام تهديد مباشر إذا حاولت دخول الأراضي البريطانية.
أبعاد إنسانية وثقافية
في بيان قرئ بالنيابة عنها في الحفل، أكدت روني أنها لن تتمكن من دخول بريطانيا "بأمان" بسبب نشاطها، مجددة تضامنها مع الشعب الفلسطيني وإيمانها بـ"كرامة الحياة الإنسانية"، وأثار هذا الموقف تفاعلاً واسعاً في الأوساط الثقافية، حيث يُنظر إلى روني كصوت أدبي مؤثر اشتهر بأعماله السابقة مثل "Normal People" و"Conversations with Friends"، وغياب روني عن المحافل الأدبية البريطانية لا يمثل خسارة شخصية فحسب، بل يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الكُتّاب حين تتقاطع مواقفهم السياسية مع السياسات الأمنية للدول.
تضييق متزايد على الاحتجاج
السلطات البريطانية كثفت حملتها ضد "Palestine Action" منذ إدراجها في القوائم الإرهابية، حيث تم اعتقال أكثر من 1600 شخص على صلة بالحركة خلال الأشهر الأخيرة، ويشير مراقبون إلى أن هذا الرقم يعكس سياسة حازمة تهدف إلى الحد من الاحتجاجات المناهضة للحرب والأنشطة المرتبطة بدعم القضية الفلسطينية، ما يثير تساؤلات حول التوازن بين الأمن القومي وحرية التعبير.
ردود فعل حقوقية
منظمات حقوقية محلية ودولية أبدت قلقها من استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتقييد الحريات المدنية، فمنظمة العفو الدولية كانت قد حذرت سابقاً من "التوسع المفرط" في تفسير القوانين بما يقيد حرية التعبير والتجمع، كما أكدت منظمات أممية على أن القانون الدولي يكفل الحق في التعبير السلمي عن الرأي، حتى عندما يكون الرأي مثيراً للجدل أو معارضاً للسياسات الحكومية.
تداعيات على مستقبل روني الأدبي
روني أشارت إلى أنها ألغت جميع ارتباطاتها العامة في بريطانيا، وتسعى للحصول على استشارة قانونية حول تأثير هذا الوضع في قدرتها على نشر أعمالها في السوق البريطانية، أحد أكبر أسواق الكتب في العالم، وقد يعني هذا عزلة نسبية لأعمالها عن جمهور بريطاني واسع اعتاد متابعة إصداراتها وتحويلاتها التلفزيونية الناجحة.
طالما كان المشهد الأدبي والثقافي في بريطانيا مرتبطاً بقضايا حرية التعبير، فمن قضية سلمان رشدي في أواخر الثمانينيات إلى الجدل حول مقاطعة الأكاديميين لإسرائيل في العقدين الأخيرين، يبقى الأدب مساحة للصراع بين الإبداع والرقابة. حالة روني تأتي لتؤكد أن الخطوط الفاصلة بين الأدب والسياسة باتت أكثر هشاشة في سياق أزمات الشرق الأوسط والحرب في غزة.
تحولت جائزة أدبية إلى مرآة تكشف توتراً عميقاً بين حرية التعبير ومتطلبات الأمن القومي في بريطانيا، فقضية سالي روني ليست مجرد حادثة فردية، بل تعكس إشكالية أوسع تواجه الكُتّاب والفنانين والنشطاء في زمن تُضيق فيه مساحات التعبير الحر باسم مكافحة الإرهاب، مستقبل هذه القضية قد يرسم ملامح جديدة لعلاقة الأدب بالسياسة والقانون، ويضع بريطانيا أمام اختبار حقيقي في التوفيق بين التزاماتها الدولية بحقوق الإنسان وحساباتها الأمنية الداخلية.